التصنيفات
المؤلفات

العرب وتحديات العصر الراهن

منذ أن تفككت الدولة العثمانية التي كانت تمثل الغطاء الإسلامي الشرعي الحاكم للمنطقة العربية، ثم قيام الحرب العالمية الثانية وظهور تيارات التحرر من الاستعمار الغربي نالت الشعوب العربية استقلالها السياسي عن الغرب لكنها وقعت في مآزق عدم القدرة على التكتل لا تقل عن الاستعمار الغربي نفسه ويشار إلى هزيمة يونيو 1967 على أنها نهاية المشروع العربي الوحدوي، والذي تزعمه جمال عبد الناصر وقادته مصر، ونجحت في تحقيقه بعض الشيء لكنها فشلت في إيجاد وحدة عربية حقيقية تعوض ضياع التكتل تحت الغطاء الإسلامي. وقد ساعد على فشل المشروع الوحدوي العربي المملكة العربية السعودية في زمن الملك فيصل، والتي كانت تقود جناحا عربيا إسلاميا معاديا للمشروع الناصري شكلا ومضمونا. فكانت النتيجة أن انقسم العرب إلى فريقين فريق تقوده القاهرة، وفريق تقوده الرياض. وقد كان توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل سنة 1979 إيذانا بخروج مصر من المشهد العربي، وترك الساحة العربية للتيار الاسلامي الراديكالي، غير أنه لم ينجح في تحقيق الوحدة الاسلامية، ولا الوحدة العربية، وذلك لغياب الرؤية والأهداف وعدم استغلال الأساليب والمقومات الداعمة لذلك. ثم جاء اجتياح العراق للكويت وحرب الخليج الثانية وتبع ذلك غزو العراق والازمة السورية والليبية واليمنية لتسطر شروخا جديدة في جسد الأمة العربية بدلا من العمل على رأب الصدع. والآن لا أبالغ لو قلت إن الامة العربية تواجه أصعب تحديات الضياع والتشرذم المذهبي، والمشار إليه بمشروع الشرق الأوسط الجديد، ففي وقت واحد يواجه المشهد العربي أخطارا توسعية اقليمية وأخرى داخلية على حساب شعوب المنطقة العربية بأسرها. ولا سبيل للخروج من هذه الأزمة سوى العودة إلى الجامعة العربية بفكر جديد، وبآليات عمل جديدة تناسب المرحلة. لقد آن الأوان لتعديل ميثاق الجامعة العربية، بجعل قرارات الجامعة ملزمة للدول الاعضاء، وتكوين قوة الدفاع العربي المشترك لحماية مصالح الشعوب العربية ومقدراتها. ولن يقوم بتطوير العمل العربي المشترك سوى القيادة المصرية التي قادت الوحدة العربية في الستينيات، وغابت عن المشهد العربي عشرات السنين وذلك لامتلاكها كل مقومات القيادة العربية والتاريخية ففي المثل يقال: لا تكن ذئبا ولكن لا تدع الذئاب تأكلك”

التصنيفات
المؤلفات

صباح العيد والفرحة

صباح العيد والفرحة. صباح النور والنشوة

بهذا اليوم قد وفت لنا الاقدار ما نرجو.

وصبحنا شموس اليوم بالتكبير والتهليل.

فطوبى لنا وإياكم ففي الختم يجد السيرمن وصلت له الهمة

وسار على طريق الله من ختمت له في الناس محمدة من الرحمن يطلبها ويشكرها

ومن في الكون إلا الله نرجوه ونعبده ونرضيه ونفرح حين يفرحنا ونصبر حين يبلينا؟

صباح العيد والفرحة صباح النور والنشوة

التصنيفات
الأعمال الأدبية

طريق النور

طَريقَ النُّورِ بالخُطُـــواتِ نَسْرِي             وفَوْقَ بَصِيصِــــــهِ نَطَأُ التُّرَابْ

فَلا نَألُوا علَى شَــيْءٍ يُوَافِــــي             ولا نَخْشَى إذَا ارتَفَعَ السَّحَابْ

أَحِنُّ إلى أُخَيٍّ صَــــــارَ تُرْبًـــــا              وذَابَ فَوْقَ هَامَتِـــــهِ الشَّبَابْ

عَلَى الهَامَيْنِ أَشْرَقَتِ اللَّيَالِي               ودَبَّتْ فِي مُحَيَّاهُ انْتِصَـــــــابْ

عَلا ثُمَّ اسْتَقَـــــــرَّ إلى قَــــرَارٍ              وَدَبَّ أنينُــــهُ والشَّعْـــرُ شَـابْ

وأَكْمَلَ مَزْحَةَ العِشْرِينَ عَامًـــا              وعِقْدًا تَمَّ ثُـــمَّ دنَا الكِتَـــــــابْ

فذَاقَ المَوْتَ حِينَ الفَرْحِ تَـــوًّا             ووافَى غُصَاصَةَ الألمِ احتِسَابْ

حَنينًا مَرَّتِ الأَيَّامُ تَهْــــــــــذِي               وتُبْدِي مَسَرَّةً حِينًا ونَـــــــــابْ

مَضَتْ فِينَا الأهلَّةُ لا تُبَالِــــي               أَصَابَتْ مَنْ تُرِيدُ وَلا حِسَــــــابْ

عَسَى أَنْ يَنْفَعَ التَّذْكَارُ يَوْمًــا               بَئيسًا حَنَّ للتُّرْبِ المَئَــــــــــابْ

وتَغْدُو زَهْرَةُ الأيَّامِ تَقْفُــــــــو               تَدُورُ فَلا صَغَاءَ وَلا جَـــــــــــوَابْ

أَخِي كَيْفَ التَّوَاصُلُ لا أُدَارِي            فَقَدْ كَتَبَ السُّطُورَ بنَا العَـــــذَابْ 
التصنيفات
المؤلفات

خواطر عن الصبر

قال زهير بن أبي سلمى

ثلاثٌ يعِزُّ الصَّبْرُ عِنْدَ حُلُولِهَا وَيَذْهَلُ عَنْهَا عَقْلُ كُلِّ لَبِيبِ

خُروجُ اضطرار ٍمنْ بِلادٍ تُحِبُّهَا وفَرْقَةُ خِلَّانٍ وَفَقْدُ حَبِيبِ

واليوم هل مازال الصبر يعز عند هذه الثلاث فقط؟ أم أنها زادت وبلغت أضعاف الثلاثة؟ هل الصبر أصبح سلعة نادرة في الأسواق؟ أو كلمة يتغنى بها العشاق وذووا الأشواق؟ هل بقي معنى للصبر بعدما حل الموت والدمار؟ محل الأمل والعيش والأمن والرخاء! هل ما ذكره شاعر الحكمة العربية قبل أكثر من 1400 سنة صحيح؟ أو أن هذه الثلاثة ترد إلى معنى واحد هو الاغتراب القسري ، والتهجير ممتزجا بالدموع تعصره الآلام وتنزف على جبينه آهات الصغار واستغاثات الأنقاض ؟ ماذا بقي لنا ؟ وهل فقدنا كل شيء حتى معنى الصبر ذاته ؟

في الحكمة يقال:”مادمت حيّا ،فقد بَقِيَ للحياةِ مَعْنَى” وقديما قال مصطفى كامل:” لا يأسَ مَعَ الحَيَاةِ”

نعم يعز الصبر مع فقد الوطن والخلان والأحباب … لكن لا يمتنع ولو بقي في الحياة نَفَسٌ واحِدٌ ، نعم يصعب الصبر عند الاضطرار إلى الغربة وترك ما مضى من عيش السعادة، لكن لا يستحيل لو بقي مؤشر الإيمان بالله والثقة فيه عند مرحلة آمنة.

يقول ناصيف اليازجي من شعراء الإحياء والبعث:

يَا بَائِعَ الصَّبْرِ لا تُشْفِقْ عَلَى الشَّارِي فَدِرْهَمُ الصَّبْرِ يَسْوِي أَلْفَ دِينَارِ

لا شيءَ كالصَّبْرِ يَشْفِي جُرْحَ صَاحِبِهِ ولا حَوَى مِثْلَهُ حَانُوتُ عَطَّارِ

هَذَا الَّذِي تُخْمِدُ الأحْزَانَ جَرْعَتُهُ كَبَارِدِ الماءِ يُطْفِي حِدَّةَ النَّارِ

وَيَحْفَظُ القَلْبَ بَاقٍ فَي سَلَامَتِهِ حَتَّى يُبَدَّلَ إِعْسَارٌ بِإيسَارِ

إنَّ السَّلامَةَ كَنْزٌ كُلُّ خَرْدَلَةٍ مِنْهُ تُقَوَّمُ مِنْ مَالٍ بِقِنْطَارِ

التصنيفات
المؤلفات

وسائل التواصل الاجتماعي في زمن التباعد الاجتماعي

لم تتوقف شكاوى علماء النفس والاجتماع من تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي السلبية على العلاقات الاجتماعية، والأسرية على وجه الخصوص منذ أن ظهرت تلك الوسائل وأخذت مكانًا على الساحة العالمية بين المستخدمين، فكان منظر الأسرة داخل البيت الواحد وكل فرد فيها يحمل جهازًا لوحيًّا منهمكًا عليه يدعو للضحك والدهشة في الوقت ذاته!

واستمرت دعوات علماء الاجتماع وتحذيراتهم من تغير الأنماط السلوكية للأفراد، ففي العالم الافتراضي كل شيء متاح وبوفرة غير طبيعية، مما لا يتحقق مثيله في العالم الواقعي حتى في أغنى الدول، وأرفه الشعوب. فمن المتاح قبول الأصدقاء على الفيس بوك، أو حظرهم بضغطة واحدة! ومن الممكن فتح صفحة أخرى أو غلقها بمن فيها من المتابعين بمجموعة ضغطات لا تستغرق من الوقت شيئًا!

إنه نوع جديد من العلاقات الاجتماعية القائمة على الألواح الرقمية، علاقات تجمع الجميع وتفرق الجميع في ثوان معدودة!

ولطالما شبهت الانترنت بعالم المثل المقلوب، أو بالمدينة غير الفاضلة في كثير من الأحيان؛ عالم الأحلام والفانتازيا وتحقيق الرغبات بلمسة واحدة على الجهاز. حتى استيقظ العالم على كابوس كورونا ولم يفق منه، فهل العزل المنزلي وقيود الحركة، واجراءات التباعد الاجتماعي التي ينادي بها الاطباء ستؤدي الى تواصل اجتماعي حقيقي بين الأفراد؟ أم أنها أشبه بزوبعة في فنجان؟ هل ستحسن من نمط العلاقات الاجتماعية خاصة بين أفراد البيت الواحد؟ علاقات تقوم على الثقة والأمان والصدق والدوام. نسعى لوسائل جديدة تحقق التواصل الاجتماعي الحقيقي في العالم الحقيقي، وليس العالم الافتراضي القائم على ثقافة (تيك اوي) إنها فرصة تقارب عائلي قل نظيرها لو أحسن استغلالها ولم تُضَيَّعْ

التصنيفات
المؤلفات

هدايا كرونا

 

قد يتعجب بعض الناس من اختيار هذا العنوان، فهل في المصائب جوائز؟ وهل في البلايا هدايا؟ وهذا التعجب من قبيل نظرتك للحياة هل تملك نظرة سوداوية أو نظرة فيها أمل ورجاء؟ بمعنى أي نصف من الكوب ترى؟ الفارغ أو الممتلئ؟

كرونا لا شك وباء عالمي ليس له علاج حتى الآن، قتل آلافًا من البشر، وأضعافهم في أسِرَّة العناية المركزة، وأضعاف أضعافهم يقتلهم الخوف والهلع من الموت في البيوت، وإلى هؤلاء الخائفون أوجه كلامي؛ ففي البداية يجب أن تعلم أخي الإنسان في أي زمان أو مكان  أن كلَّ ما أصابك لم يكن لِيُخْطِئَكَ، وأن ما أخطأكَ لم يكن لِيُصِيبَكَ، وأن ما حَلَّ بك هو بإذن الله، والله لا يريد ظلمًا للعالمين، هذه حقائق إيمانية تبدو بديهية، لكنِّي أراها في لحظة الأزمة ضرورية، ومن هنا فالمؤمن رابحٌ في كل الأحوال؛ إن سَلِمَ من البلاء شكر الله، وإن ابتلي به وصبر واحتسب حتى مات ظفر بأجر الشهيد، وتلك أول هدايا كورونا.

أما الثانية، فخبروني بالله عليكم مَنْ كان في الدنيا قادرًا على غلق الحانات؟ وصالات القمار؟ وتقليل الحروب؟ والإفراج عن المحبوسين ظلما؟ وضرب الغطرسة الرأسمالية الجائرة في مقتل؟ ورفع الأذان في عواصم منعته من سنوات؟ وإلزام النساء المتبرجات بالبقاء في البيوت؟… غير الله؟ فكان كورونا بطل هذا كله، ينفذ مشيئة الله وقضائه، ولا راد لقضائه، وقضاؤه بعباده كله خير.

وهدية كورونا الثالثة تتجلى في رحمة الله بقِلَّةِ عدد الوفيات به مقارنة بالجوائح الأخرى حتى الآن، أو مقارنة بمن أكلتهم الحروب العالمية من أجل الاستعمار وفرض الهيمنة الامبريالية، أو بمن تأكلهم حوادث الطرق والطائرات، أو تبتلعهم البحار، أو بمن يموتون في المجاعات، أو بسبب الجفاف. فعند التأمل ترى رحمة الله في كورونا أكبر من رحمة الناس بعضهم ببعض. مع ارتفاع الاصابات وانتشارها، لكنها ستنحسر يومًا ما وستعود الحياة لما كانت عليه، وسيرجع كل صاحب طاعة لطاعته وكل صاحب معصية لمعصيته، لكن الفائز الحقيقي من يتمسك بهدايا القدر ويعرف مغزاها، ويذكر قدرة الجبار عليه بمخلوق ضعيف لا يرى بالعين، أذاق العالم حتى الآن الأمرين. وقديما قيل في الأثر: ” إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك. 

التصنيفات
المقالات الصحفية

كُرونا وباءٌ أم غباءٌ؟

الذُّعر والخوف يجتاح العالم، وأنظمة صحية تتهاوى، وأخرى تصمد إلى أمد، حالات الطوارئ تتمدَّد في كل مكان، والحجرُ والحجزُ الاختياريُّ أوشك أن يكون إجباريًّا، وباءٌ جديدٌ؟ أو هو محصلةٌ لغباءٍ فريد؟ هنا السؤال، وهنا تلزم الإجابة. هناك مقولةٌ تقال: ” كلّما تقدم الإنسان في التكنولوجيا ازداد غباء” لكنه ولا شك غباء من نوع جديد وفريد هو غباء الأذكياء، أو ذكاء الأغبياء.

كلما قرأت عن كم الشائعات المهول الذي يتابع كل حدث لاسيما الأحداث العظام أتعجب! وتزداد دهشتي حين أرى عدد المصدقين لها بحماسة يماثله عدد المكذبين لها بحماسة لا تقل! حينها اقترب من تصديق المقولة السابقة، وعندما أرى التهافت على شراء الكمَّامات والسلع الاستهلاكية الضرورية كأنه يوم الحشر يزداد يقيني بالعبارة السابقة. وكم فكرت أين سيعيش سكان الأرض عندما تزاحمهم الأجهزة الذكية في الطرقات؟ تخيلت نفسي بعد 10 سنين وأنا أركب التاكسي بلا سائق! شعورٌ غريبٌ لكنه مثير في الوقت نفسه. قبل شهور أُعلن عن إنتاج السيارات الكهربائية التي تسير بلا قائد، ويقال إنها أحدث ما توصل إليه الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، لأنها ستقلل من الحوادث التي يتسبب فيها العنصر البشري، وهي مزودة بأنظمة أمان وفعاليَّة ضد الأخطار… ماذا لو حلَّت الريبوتات محل الإنسان في المصانع والمزارع في زمن الرأسمالية الغربية، وصورتها الاشتراكية الشرقية، لاشك أن المستثمر سيوفر كثيرًا لو استغنى عن 10 العمال أو 20 مقابل شراء جهاز ريبوت يؤدي العمل بلا ازعاج البشر، وبطبيعة الحال فالجهاز له صيانة دورية، وعوامل إهلاك لكنها لا تساوي بالطبع تأمينات العمال وخسائر تأخيراتهم عن العمل، واحتجاجاتهم وإضراباتهم لرفع الأجور …. وقائمة الصداع طويلة. إذن في عصر الذكاء الاصطناعي لا حياة للأغبياء وأنصاف المتعلمين بل والمتعلمين تعلما تقليديًّا، يجب أن ينقص عدد البشر إلى النصف على الأقل لدخول عالم الأذكياء.  لكنني أخشى أن يتم تناقص أعداد البشر بيد الأغبياء منهم.

 

التصنيفات
المؤلفات

الإرادة وحسن الإدارة

سألت أحد الشباب في يوم من الأيام : ما طموحك في الحياة ؟ وما هي نظرتك للمستقبل ؟ فجاء الجواب صادما لي : وهل ما نعيشه حياة تستحق الطموح فيها ؟ وأين هو المستقبل الذي تسألني عن تخطيطه؟

فراجعت نفسي وسألتها : ما الحياة التي يحلم بها ذلك الشاب ولم يحققها ؟ وما هذا الكم من اليأس والإحباط الذي أصاب زهرة الشباب في مقتل؟

ربما يريد دراسة في جامعة مرموقة ، أو عملا مستقرا يدر عائدا ماديا مناسبا ، أو يحلم بالزواج والأولاد والبيت الواسع ، أو السيارة الفارهة المريحة ، أو ….أو …. إلخ

ثم عدت فسألت نفسي عن مشروعية هذه الأحلام فوجدتها كلها  مشروعة لا غبار عليها بل هي ترتقي إلى محل المطالب الإنسانية العادلة ، لكن من يحقق هذه الأحلام ويخرجها إلى حيز الواقع الملموس؟ إنها الإرادة وحسن الإدارة، فالإرادة تعني التصميم على تحقيق الهدف ، وتجاوز الصعوبات والأشواك التي تعترض الطريق وقد تملأ الطريق في بعض الأحيان ، هذا التصميم هو وقود الحياة والشعلة التي لا تنطفئ في قلوب الشباب ، إن التصميم والإرادة والعزم على تحقيق الأحلام هو ما يميز الإنسان عن الحيوان ، فالحيوان يريد والإنسان يريد وشتان ما بين الإرادتين ، فالأولى بهيمية تحركها دوافع الغريزة في البقاء والتناسل، والثانية إرادة حُرَّة تحركها الرغبة في تحقيق الطموح وصنع الحضارات .

يقف صديقي الشاب وينظر إلى الناجحين والعظماء والأبطال والنابغين نظرة إعجاب ممتزجة بالغبطة التي تتحول إلى حسد في بعض الأحيان ، إنها مشاعر سلبية تتولد داخل نفسه عند العجز عن تحقيق الأهداف ، وتتحول هذه المشاعر إلى كراهية ونقمة على المجتمع كله وسخط واشمئزاز من كل شيء وصدق الإمام الشافعي حين  قال :

نعيب زماننا والعيب فينـــــا      وما لزمانا عيب سوانـــــا

ونهجو ذا الزمان بغير ذنب     ولو نطق الزمان لنا هجانا

وحسن الإدارة يكون لنعمة عظيمة هي الوقت الذي إذا مر لا يعود أبدا ، تمر أوقات الشباب بلا معنى ولا غاية من ورائها ، فاليوم كالأمس وغدا كاليوم ! ولسان حال صديقي الشباب يقول:

فَيَــوْمٌ يَمُرُّ ومِـــنْ بَعْـــــدِهِ       شُهُورٌ تَدُورُ ولا فَائِدَه

سَئِمْتُ الحَيَاةَ فَضَاعَتْ بِهَا     رُؤَانَا ومَاتَتَ ولا عَائِدَه

فعندما وصلنا إلى هذه المحطة في الحوار قلت لصديقي:

“أبشر فقد وصلت إلى السبعين وأنت ابن العشرين” !

 

التصنيفات
المؤلفات

بين التوحيد و التوحد

 

التوحيد أعظم كلمة نطق بها لسان الإنسان منذ أن وجد على الأرض ، إلى أن يغادر ساحاتها وعرصاتها ليسكن بين طياتها جيفة ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.

التوحيد رسالة الله إلى الخلق ، وهو محل العبودية المؤمنة التي وجد الجن والإنس في الأرض لأجلها (وَمَا خَلقتُ الجِنَّ والإنسَ إلا لِيَعْبُدون) ، أي ليوحدون ، وهو مناط الإخلاص ، وكلمة الخلاص التي نادى بها جميع الرسل في كل الأزمان ، وهتفت بها حناجر المؤمنين عبر العصور والأيام ، وختمت بها رسالات السماء إلى الأرض ، فلا عجب أن نرى القرآن مليئا بآيات التوحيد سيما في العهد المكي منه ، غيرأن هذه الآيات في غير موضع جاءت مشفوعة بالتكليفات الشرعية ، كالإحسان إلى الوالدين مثلا في نحو قوله تعالى (وَقَضَى ربُّك ألا تعبُدوا إلا إيَّاه وبالوالدينِ إحْسَانًا) ، لتقوية أواصر الأسرة التي هي عمود المجتمع المسلم ، ثم ينعى القرآن على الذين أوتوا الكتاب والمشركين كفرهم ويذكرهم عواقب ذلك من الشقاق والتفرق بعد أن كانوا أمة واحدة ( لَمْ يكُنِ الذينَ كَفَرُوا مِنْ أهلِ الكِتَابِ والمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حتَّى تأتيَهُمُ البَيِّنًة رَسُولٌ مِنَ اللهِ يتلُو صُحُفًا مُطَهَّرَة فيهَا كُتُبٌ قَيِّمُةٌ ومَا تفَرَّقَ الذينَ أوتُوا الكِتابَ إلا مِنْ بَعْدِ مَا جاءتْهُمُ البَيِّنَةُ ومَا أُمِروا إلا ليعبُدوا اللهَ مُخْلِصينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ويُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُؤتُوا الزَّكاةَ وذَلكَ دِينُ القَيِّمَةِ….)

الذين أوتوا الكتاب أمروا أن يعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء( التوحيد) فلما جحدوا وكفروا بالله كانت نتيجة كفرهم تفرقهم من بعد ما جاءتهم البينة ، فالإيمان بالتوحيد يساوي (الوحدة) لأي أمة ، والكفر به يساوي الافتراق والضياع وصدق الصادق المصدوق من ربه حين يربط بين تناطح الكباش الذي هو نقيض التوحد  وبين (الكفر) الذي هو نقيض (التوحيد) في أحد معانيه يقول : لا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ”

فظهر من خلال هذا الربط اعتماد الإسلام على مبدأين أساسين : أولا :التوحيد الذي هو أصل كل خير في الدنيا والآخرة ، وثانيا التوحد الذي هو نتيجة التوحيد الحقيقي وثمرته النهائية .

ونظرة سريعة إلى العبادات والتكليفات الشرعية سواء البدنية منها أو المالية ، أو ما يجمعهما معا ، تدلنا بغير جهد كبير على تعانق التوحيد و التوحد  ، فمثلا : (الصلاة) عبادة بدنية فردية لكن يكمل جمالها ويزداد عند الله كمالها لو تؤدى جماعة ، و(الزكاة) عبادة مالية جمعية وجماعية في المقام الأول تقرب أبناء الأمة الواحدة فقيرهم من غنيهم لنزع فتيل الكراهية والحقد والحسد من صدر الفقير وكذا  انتزاع الكبر والبطر وغمط الناس من صدر الغني لتزرع الزكاة بعد هذا الحطام أشجار الأخوة الإيمانية التي تسقى بماء العبودية لله الخالق الرازق . وما (الحج) إلا صورة سامية من تلاحم أبناء الأمة الواحدة ، وكأنه ينادي على أبناء المسلمين قائلا : أيها المؤمنون : هأنذا أناديكم هذا العام وكل عام ليظهر توحد إيمانكم في أداء مناسكي وإقامة شعائري.

ويمكن بعد ذلك رد مبدأ  التوحد  إلى التوحيد بطريقة معكوسة ، فالثاني سبب للأول فلن يكون توحد الأمة إلا بكمال توحيدها،على ما كان عليه سلف الأمة من فهم للإيمان غير مشوب بالمذهبية والخلافات التي مزقت أبناء الأمة الواحدة وحولت الإيمان في أخر المطاف إلى مجموعة من الأقيسة المنطقية والقوالب الفلسفية في كتب المتأخرين من المتكلمين وتاه أبناء أمة التوحيد في جنبات هذا التخبط العقلي والترف المعرفي ثم سقطوا في فخ التعصب المذهبي والعقائدي وكم سفكت دماء المسلمين بسبب هذا وكم استبيحت الأعراض فكانوا لقمة سائغة في فم الاستعمار يلوكها حيث يشاء ويقسمها كما يريد ، فضاعت أمة التوحيد .

فهم سلف الأمة من الصحابة وتابعيهم الذين هم خير القرون لمعنى التوحيد ، هذه نقطة الانسلاخ والانطلاق ،الانسلاخ من قيود الماضي المعرفي الممتلئ غثا  في بعض الأحيان لا يفيد الحاضر اجتراره والعزف على أوتاره انسلاخ من آثار الماضي الذي أصبح  في حكم الزمان تاريخا وما زال بعض منا يريد جرنا إلى مستنقعه إننا ننتقي من التاريخ ما يخدم أهداف مستقبلنا ، فليست أمة تحترم نفسها تتنكر لتاريخها وفي الوقت نفسه لا تقف عند حدود ما قدم السابقون أو تحاول عبثا توقيف آلة الزمان وجر الأمة إلى الوراء مئات السنين بدعوى لم يترك السلف للخلف شيئا فليس في الإمكان أبدع مما كان !!!

نريد فهم سلف الأمة لمعاني التوحيد ذلك الفهم المثمر لا فهم الجدل والتعصب نريد الفهم الذي يبني ولا يهدم فإذا وصلنا إلى ذلك فقد حققنا الانسلاخ مما أعاق حركة الأمة في التقدم عشرات السنين ، ويبقى بعد ذلك تحقيق الانطلاق ، فليس كل ما أنتج الغرب كفرا وشرا يجب اجتنابه ، وليس كل ما أنتجنا في عصورنا إيمانا وبرا يجب اقتداؤه ، فماذا يعني هذا ؟ يعني اعتمادنا على الانتقاء مما عند الأخر في فروع المعرفة ونظم العيش كما فعلت الأمة في بادئ نهضتها، ولا ننسى فى زحمة الحياة جذورنا وأصولنا ولا ننبهر بما عند الآخر وننجرف وراءه لاهثين مقلدين ، نريد شخصية المسلم المُمَيِّز ، ثم بعد ذلك لا ننقل من الآخر تجربة قبل اختبارها في بلادنا فليس بالضرورة نجاحها هناك نجاحها هنا فالمجتمعات تختلف بطبيعة الحال ،في هذه اللحظة ننطلق إلى المستقبل أمة واحدة جسدا واحدا ، أمة تنبذ الفرقة والانقسام والتشرذم والضياع والتكفير والتفسيق واللعن ، لنكون جديرين بتحقيق معنى  التوحد  في أجل صوره التي عرفتها الأنسانية.

إن مقصد  توحد أمة الأسلام مقصد عظيم من مقاصد الشريعة وهدف أسمى من أهدافها لن يتوصل إليه إلا باتفاق الأمة على أصولها العقائدية وطرح ما عدا ذلك فلن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها

التصنيفات
المؤلفات

خواطر عن الصبر

قال زهير بن أبي سلمى

ثلاثٌ يعِزُّ الصَّبْرُ عِنْدَ حُلُولِهَا وَيَذْهَلُ عَنْهَا عَقْلُ كُلِّ لَبِيبِ

خُروجُ اضطرار ٍمنْ بِلادٍ تُحِبُّهَا وفَرْقَةُ خِلَّانٍ وَفَقْدُ حَبِيبِ

واليوم هل مازال الصبر يعز عند هذه الثلاث فقط؟ أم أنها زادت وبلغت أضعاف الثلاثة؟ هل الصبر أصبح سلعة نادرة في الأسواق؟ أو كلمة يتغنى بها العشاق وذووا الأشواق؟ هل بقي معنى للصبر بعدما حل الموت والدمار؟ محل الأمل والعيش والأمن والرخاء! هل ما ذكره شاعر الحكمة العربية قبل أكثر من 1400 سنة صحيح؟ أو أن هذه الثلاثة ترد إلى معنى واحد هو الاغتراب القسري ، والتهجير ممتزجا بالدموع تعصره الآلام وتنزف على جبينه آهات الصغار واستغاثات الأنقاض ؟ ماذا بقي لنا ؟ وهل فقدنا كل شيء حتى معنى الصبر ذاته ؟

في الحكمة يقال:”مادمت حيّا ،فقد بَقِيَ للحياةِ مَعْنَى” وقديما قال مصطفى كامل:” لا يأسَ مَعَ الحَيَاةِ”

نعم يعز الصبر مع فقد الوطن والخلان والأحباب … لكن لا يمتنع ولو بقي في الحياة نَفَسٌ واحِدٌ ، نعم يصعب الصبر عند الاضطرار إلى الغربة وترك ما مضى من عيش السعادة، لكن لا يستحيل لو بقي مؤشر الإيمان بالله والثقة فيه عند مرحلة آمنة.

يقول ناصيف اليازجي من شعراء الإحياء والبعث:

يَا بَائِعَ الصَّبْرِ لا تُشْفِقْ عَلَى الشَّارِي فَدِرْهَمُ الصَّبْرِ يَسْوِي أَلْفَ دِينَارِ

لا شيءَ كالصَّبْرِ يَشْفِي جُرْحَ صَاحِبِهِ ولا حَوَى مِثْلَهُ حَانُوتُ عَطَّارِ

هَذَا الَّذِي تُخْمِدُ الأحْزَانَ جَرْعَتُهُ كَبَارِدِ الماءِ يُطْفِي حِدَّةَ النَّارِ

وَيَحْفَظُ القَلْبَ بَاقٍ فَي سَلَامَتِهِ حَتَّى يُبَدَّلَ إِعْسَارٌ بِإيسَارِ

إنَّ السَّلامَةَ كَنْزٌ كُلُّ خَرْدَلَةٍ مِنْهُ تُقَوَّمُ مِنْ مَالٍ بِقِنْطَارِ